فصل: آراء العلماء في التفسير والتأويل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل إلى علوم القرآن الكريم



.الفصل الرابع: التفسير والتأويل:

قال ابن فارس: معاني العبارات التي يعبر بها عن الأشياء ترجع إلى ثلاثة: المعنى والتفسير والتأويل، وهي إن اختلفت فالمقاصد بها متقاربة.
ويراد بالمعنى القصد والمراد، يقال عنيت بهذا الكلام كذا أي قصدت، وهو مشتق من الإظهار ويقال عنت القربة إذا أظهرت الماء ولم تحفظه، ومنه عنوان الكتاب، وتطلق لفظة علماء المعاني على من صنف في معاني القرآن كالزجاج والفراء وابن الأنباري، وأهل المعاني هم العلماء الذين اختصوا بهذا العلم.

.المراد بالتفسير:

ويراد بالتفسير الإيضاح والتبيين، ويفيد معنى الإظهار والكشف، وأصله في اللغة من الفسر وهو الإبانة، وفسّر الشيء يفسره بالكسر والضم أي أبانه، والفسر كشف المغطى، ويراد به كشف المغلق من المراد باللفظ وإطلاق للمحتبس عن الفهم به، ويقال فسرت الشيء أفسره تفسيرا، وفسرته أفسره فسرا، وقال بعضهم: فسر مقلوب من سفر ومعناه الكشف، يقال: سفرت المرأة سفورا إذا ألقت خمارها عن وجهها وهي سافرة، وأسفر الصبح أضاء.
وقال الراغب: الفسر والفسر يتقارب معناهما كتقارب لفظيهما، وجعل الفسر لإظهار المعنى المعقول، وجعل السفر لإبراز الأعيان للأبصار، يقال: سفرت المرأة عن وجهها وأسفر الصبح.
وذهب أبو حيان إلى أن التفسير يراد به التعرية، يقال: فسرت الفرس إذا عريته لينطلق، وهو يعبر عن معنى الكشف، ومعظم ما جاءت به لفظة التفسير في اللغة معبرة عن معنى الكشف والبيان.
واستعمل القرآن كلمة التفسير مرة واحدة في سورة الفرقان في قوله تعالى:
{وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان: 33]. أي: بيانا، وقال ابن عباس في قوله تعالى: وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً أي: تفصيلا.
وأطلقت كلمة (التفسير) على العلم الذي يتحدث عن معاني القرآن، من حيث نزول الآية ومناسبتها، والإشارات النازلة فيها ومعانيها المحتملة، والدلالات اللفظية، من حيث العموم والخصوص والمطلق والمقيد والمجمل والمفسر، كما يبحث علم التفسير عن كل ما يتعلق بالقرآن من معاني مستفادة من الألفاظ، من حيث الأحكام والتوجيهات والعبر والقصص والمواعظ.
ويمكننا أن نعرف علم التفسير بأنه العلم الذي يبحث عن كل المعاني القرآنية المحتملة التي تدل عليها الألفاظ، سواء ما يتعلق منها باستنباط الأحكام الشرعية، أو ما تعلق بها بمعرفة المعاني الواردة في القرآن، ويستعين المفسر بأدوات التفسير التي تمكنه من معرفة المراد بالقدر الممكن.
واختلف العلماء في تعريف التفسير، ولا حدود لاجتهادات العلماء في تعريف هذا العلم، فكل عالم يعرف علم التفسير بما يراه الأقرب والأدق، في معرفة المعاني القرآنية، وينظر من زاوية تختلف عن الزاوية الأخرى، فالبعض عرف التفسير بأنه العلم الذي يبحث عن أحوال القرآن من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية، والبعض الآخر اعتبره علم نزول الآيات وشئونها وأقاصيصها والأسباب النازلة فيها، ثم ترتيب مكيّها ومدنيّها، ومحكمها، ومتشابهها، وناسخها، ومنسوخها، وخاصها، وعامها، ومطلقها ومقيدها، ومجملها ومفسرها، وحلالها وحرامها ووعدها ووعيدها، وأمرها ونهيها.
ولعل المعنى الأيسر للتفسير والأوضح هو العلم الذي يبحث عن معاني القرآن ودلالاته بحسب ما تفيده الدلالة اللفظية، ويستعين لذلك بما ييسر له الأمر.
وهنا يقع التساؤل:
- هل من واجب المفسر أن يبحث عن مراد الله، أم يجب عليه أن يبحث عن الدلالة المستفادة من اللفظ؟
قد يقول قائل: ليس هناك تعارض بين القصدين، فالمفسر يبحث عن مراد الله من خلال الدلالة اللفظية، إذ لا يمكنه أن يكشف مراد الله إلا عن طريق الدلالة اللفظية، ولو تجاوز تلك الدلالة لوقع في خطأ جسيم، وانحرف عن خط الاستقامة، وتحكم في مراد الله بحسب هواه.
وأحيانا قد تقوده الدلالة اللفظية إلى معاني لا يمكن أن تكون من مراد الله، لوجود أدلة وقرائن ومرجحات تؤكد بطلان هذا الاستنتاج، وبخاصة إذا اصطدم هذا التفسير بمقاصد ثابتة للشريعة مستفادة من أدلة قاطعة.
وهنا يبرز دور المفسر، في توجيه الدلالة اللفظية لكي تنسجم مع التوجيهات القرآنية العامة، فلا يمكن أن يقع التناقض بين آية وأخرى، ولا يمكن أن يقع التصادم بين حكم وآخر، كما لا يمكن أن يقع التنافر بين توجيه وآخر، فالقرآن متكامل في توجيهاته، يؤكد بعضه البعض الآخر، وإذا ظهر التنافر والتباين بين آية وأخرى، فهذا التنافر دال على قصور في التفسير، ووقوف عند حدود الألفاظ، والألفاظ متعددة المعاني، والمعنى الأدق والأصح في تفسير الآية هو المعنى الذي يحقق ذلك التلاؤم والتكامل بين الآيات القرآنية.
وتبرز عظمة المفسر وموهبته في مثل هذه المواقف الصعبة، حيث يقف عمالقة المفسرين بشجاعة يتخطون حواجز الألفاظ الضيقة باحثين عن المعنى الأدق والأصح الذي يؤكد الانسجام والتوافق في التوجيه القرآني، وهم في سعيهم هذا يعتمدون على أدوات التفسير اللغوية والعقلية والنظرية لكي يوجهوا النص القرآني نحو غايته المرجوة التي يدل عليها النسق القرآني العام، وتؤكدها مقاصد واضحة للشريعة الإسلامية.
وليست مهمة المفسر قاصرة على شرح المفردات وبيان دلالاتها. فهذا عمل يسير لا يحقق غاية مرجوة، ولا يتطلب موهبة كبيرة، وتمتد مهمة المفسر لكي يطرح الآفاق المحتملة المستفادة من الآية، بحيث يكون ما استنبطه المفسر وما وصل إليه بعد جهد منسجما مع الهدي القرآني العام، مراعيا غاية القرآن في استقامة أمر البشر، مصححا مسيرة الإنسان في رحلته في الحياة، مدافعا عن حق الإنسان في حياة كريمة.
والمفسر ليس هو الشارح للمفردات اللغوية، فتلك مقدمات ضرورية على طريق التفسير، وليس هو الباحث عن مكي الآيات ومدنيها، وناسخها ومنسوخها، وأسباب نزولها، فذلك شرط ضروري يجب أن يعرفها المفسر قبل أن يتصدى للتفسير، وبعد ذلك تبتدئ مهمة المفسر الشاقة في استكشاف الإرادة القرآنية، وفي استلهام الحكم المرادة المستهدفة، وفي إقرار التوجهات السلوكية في مجال الأمر والنهي، التي تنسجم مع التوجيهات القرآنية العامة المستفادة من القرآن كله، بحيث لا يقع أي تصدع في صرح المنهج الرباني المتكامل، سواء في نظرة القرآن للكون والإنسان، أو في مطاردة كل الأسباب التي تعارض المبادئ التي أقرها الإسلام لاستقامة الحياة البشرية.
المفسر إذا كان ضيق الأفق لا يمكنه أن يستوعب الآفاق الممكنة للتوجيه القرآني، وهو في تفسيره الضيق يضيّق الخناق على النص، فيسيء من حيث لا يدري، ويضيق ما اتسع من آفاق، ويحرم ويحلل وفق معايير يظنها موضوعية وعلمية، وهي في الحقيقة معايير تغلب عليها الرؤية الذاتية، ولابد في التفسير من النظر إلى شخصية المفسر، فالشخصية عامل هام في التفسير، تحسن وتسيء وتصيب وتخطئ، وتوسع وتضيق، لأن التفسير رؤية ذاتية للنص المفسر، تتأثر بشخصية المفسر، لأنه أداة الرؤية، ويستمد تلك الرؤية من تجربته الذاتية، ولهذا تتفاضل قدرات المفسرين وتتباين في مدى عمقها ودقتها، فمنهم الغني بفكره وآفاقه، ومنهم الضيق الذي لا يضيف شيئا.

.الفرق بين التفسير والتأويل:

خصص الزركشي في البرهان فصلا مستقلا لبيان الفرق بين التفسير والتأويل، ورد على من قال بأن التفسير والتأويل واحد بحسب عرف الاستعمال، وقال: والصحيح تغايرهما، ونقل عن الراغب قوله: التفسير أعم من التأويل، وأكثر استعماله في الألفاظ، وأكثر استعمال التأويل في المعاني، وأكثر ما يستعمل التأويل في الكتب الإلهية، وأكثر ما يستعمل التفسير في معاني مفردات الألفاظ.
ولفظة التأويل مأخوذة في اللغة من الأول، يقال آل الأمر إلى كذا أي صار إليه، وأصله من المآل وهو العاقبة والمصير، يقال: أوّلته فآل أي: صرفته فانصرف، وكأن التأويل يعني صرف الآية إلى ما تحتمله من المعاني.
وجاءت لفظة التأويل في القرآن في قوله تعالى: {ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} [الكهف: 82]، وقوله: {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} [الأعراف: 53]، وقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7]، وقوله: {فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].
واستعملت لفظة التأويل في مواطن كثيرة في القرآن الكريم في معرض تأويل الأحلام وتأويل الأحاديث، وكأن هذه الاستعمالات للفظة التأويل تفيد أن التأويل أمر يختص بتفسير الأشياء الغيبية مما لا يتعلق بالألفاظ والمفردات اللغوية، فالتأويل هو تفسير إشارات واستلهام معاني من مفردات وحوادث ووقائع مما لا يخضع للمعايير التفسيرية المحكمة التي لا يملك المفسر فيها حق الخروج عن مقتضى الدلالات اللغوية.
ويمكننا أن نلاحظ أن الفرق بين التفسير والتأويل كما هو واضح في الاستعمالات اللغوية كبير، وقد استعملت لفظة التأويل حيث لا يجوز أن تستعمل لفظة التفسير، فالتفسير توضيح وبيان لمعاني مفردات، ويخضع المفسر لضوابط لغوية، بحيث لا يملك المفسر أن يخرج عن إطار الدلالة اللغوية، بخلاف التأويل فهو تفسير خفي للإشارات والمواقف، ويغلب عليه جانب الإلهام المعتمد على قوى عقلية خارقة أو على قوة روحية متميزة.
والتفسير هو بيان للمفردات وتوضيح لمعانيها، بحسب الدلالة اللغوية، والتأويل أعم وأشمل، ووسائله ليست هي اللغة، وإنما هي قوة الملاحظة ودقة الإشارة واستلهام المعاني الخفية غير المدركة بالحواس، ولهذا يكون التأويل مظنة للانحراف إذا وجه المؤول العبارة نحو معاني مخالفة لما تدل عليه الألفاظ، معتمدا في ذلك على إشارات خفية.
وبالرغم من كل محاولات إبراز أوجه التباين والاختلاف بين التفسير والتأويل، فإن من الصعب وضع ضوابط دقيقة، لكل من التفسير والتأويل، بل إن بعض العلماء ذهب إلى أنه لا فرق بين التفسير والتأويل، وإنهما يأتيان بمعنى واحد.

.آراء العلماء في التفسير والتأويل:

نقل السيوطي في الإتقان والزركشي في البرهان آراء العلماء في معنى كل من التفسير والتأويل:
- قال أبو عبيد وطائفة من العلماء: التفسير والتأويل بمعنى واحد، وردّ الزركشي هذا الرأي وقال: والصحيح تغايرهما، وحجة من قال بفكرة التماثل والترادف أن كلا من التفسير والتأويل يفيد معنى البيان والتوضيح، ويبدو أن علماء التفسير يرجحون هذا القول، وهذا الرأي يقلل من أهمية الفروق الواضحة في استعمال كل من اللفظتين، وقد استعمل القرآن كلمة التأويل في مواطن محددة حيث يبرز عجز الإنسان عن الإحاطة بإرادة الله، مما لا تستطيع القدرة البشرية أن تفسره أو أن تستكشف معانيه المرادة، وغالبا ما يكون في الأمور الغيبية.
- قال الراغب الأصفهاني: التفسير أعم من التأويل، وأكثر استعماله في الألفاظ ومفرداتها، وأكثر استعمال التأويل في المعاني والجمل، وأكثر ما يستعمل في الكتب الإلهية والتفسير يستعمل فيها وفي غيرها.
- قال الماتريدي: التفسير القطع على أن المراد من اللفظ هذا، والشهادة على الله أنه عنى باللفظ هذا، فإن قام دليل مقطوع به فصحيح، وإلا فتفسير بالرأي، وهو المنهي عنه، والتأويل ترجيح أحد المحتملات بدون القطع والشهادة على الله.
- قال أبو طالب التغلبي: التفسير بيان وضع اللفظ إما حقيقة أو مجازا، كتفسير الصراط بالطريق والصيب بالمطر، والتأويل تفسير باطن اللفظ، مأخوذ من الأول وهو الرجوع لعاقبة الأمر، فالتأويل إخبار عن حقيقة المراد، والتفسير إخبار عن دليل المراد، لأن اللفظ يكشف عن المراد، والكاشف دليل، مثاله قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ} تفسيره أنه من الرصد، يقال: رصدته راقبته، والمرصاد: فعال منه، وتأويله: التحذير عن التهاون بأمر الله والغفلة عن الأهبة والاستعداد للعرض عليه، وقاطع الأدلة تقتضي بيان المراد منه على خلاف وضع اللفظ في اللغة.
- قال الأصبهاني في تفسيره: اعلم أن التفسير في عرف العلماء كشف معاني القرآن، وبيان المراد، أعم من أن يكون بحسب اللفظ المشكل وغيره وبحسب المعنى الظاهر وغيره، والتأويل أكثره في الجمل، والتفسير إما أن يستعمل في غريب الألفاظ نحو البحيرة والسائبة والوصيلة أو في وجيز يتبين بشرح، نحو أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وما في كلام متضمن لقصة لا يمكن تصويره إلا بمعرفتها كقوله: {إنما النسيء زيادة في الكفر}، وأما التأويل فإنه يستعمل مرة عاما ومرة خاصا، نحو الكفر المستعمل تارة في الجحود المطلق، وتارة في جحود الباري عز وجل خاصة، وما في لفظ مشترك بين معاني مختلفة، نحو لفظ (وجد) المستعمل في الجدّة والوجد والوجود.
- قال البغوي والكواشي: التأويل صرف الآية إلى معنى موافق لما قبلها وما بعدها، تحتمله الآية، غير مخالف للكتاب والسنة من طريق الاستنباط ونقل هذا القول عن ابن القاسم بن حبيب النيسابوري.
- قال أبو نصر القشيري: ويعتبر في التفسير الاتباع والسماع، وإنما الاستنباط فيما يتعلق بالتأويل، وما لا يحتمل إلا معنى واحدا حمل عليه، وما احتمل معنيين أو أكثر، فإن وضع لأشياء متماثلة كالسواد حمل على الجنس عند الإطلاق، وإن وضع لمعان مختلفة فإن ظهر أحد المعنيين حمل على الظاهر إلا أن يقوم الدليل.
قال أبو حيان: التفسير علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها وأحكامها الإفرادية والتركيبية ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب وتتمات لذلك.
ويمكننا أن نستنتج من مجمل هذا التعاريف خصائص كل من التفسير والتأويل كما يلي: